سيمو راني… نغمة الحي المحمدي

وسط زحام الإيقاعات الحديثة وتنوّع الأذواق الموسيقية، يشقّ صوت سيمو راني طريقه بثبات، عذبًا ودافئًا كنسمة من الحي المحمدي، حاملاً في نبراته رائحة الزمن الجميل وجرأة التحديث. فنانٌ مغربي آمن بأن الأغنية الشعبية ليست مجرد حنينٍ إلى الماضي، بل تراثٌ حي يستحق أن يُروى من جديد، بلغةٍ يفهمها الجيل المعاصر.
من عمق أزقة الحي المحمدي، انطلقت رحلته سنة 1999، شابًا مفعمًا بالشغف، يصقل موهبته على مهل وسط تحديات الساحة الفنية. لم يكن الطريق مفروشًا بالورود، لكنه كان مليئًا بالإصرار، وبالرغبة في أن يُسمِع الأغنية الشعبية المغربية صوتها الحقيقي وسط صخب الحداثة.
جاءت لحظة التحول سنة 2012، حين أطلق ألبومه الأول “زواج اليوم صعاب” و*”مال حبيبي مالو”*، حيث فاجأ الجمهور بمزيجٍ متقن من القصص اليومية والوجدان الشعبي، بصوتٍ دافئ وأداءٍ ينبض بالحياة. كانت تلك الانطلاقة الفعلية نحو قاعدة جماهيرية أوسع، تبنّت فنه وساندته في كل محطة.
طوال أكثر من عقدين، لم ينقطع عطاؤه، بل ظل يُصدر أعمالًا موسيقية تعكس غنى التجربة وعمق الانتماء، نذكر من أبرزها:
- الشخدة الشعبية (2013) /الحاجبة (2014)/كشكول شعبي (2015)/اشدني نولفو (2019)/تهلاو في الوليدة (2022)/يما يما كندير أنا سواكن (2025)الحاجبة (2014
لا يكتفي سيمو راني بالغناء، بل يحمل هاجس الحفاظ على الذاكرة الشعبية من خلال إعادة توزيع الأغاني التراثية بأسلوب عصري يحترم الأصل دون أن يبتعد عن ذائقة الحاضر. يحرص على تقديم فن نظيف، يلامس الروح ويخاطب الوعي، دون أن يفقد هويته أو يذوب في ضوضاء السوق.
جولته الفنية في دولة الإمارات سنة 2023 شكّلت محطة فارقة، كشفت عن قابلية الأغنية الشعبية المغربية للانتشار الإقليمي، عندما تكون محمولة على جناح الإحساس والاحتراف.
بعد أكثر من خمسة وعشرين عامًا من الالتزام الفني، لا يزال سيمو راني وفيًا لمساره، مخلصًا لصوته، ولجمهوره، ولرسالة الفن الشعبي. فصوته لا يغني فقط، بل يروي حكايات منسية، ويوقظ ذاكرة جماعية تحتاج إلى من يعيد إحياءها بإبداع وأمانة.
إنه أكثر من فنان، إنه جسر بين زمنين، ونغمة لا تخطئها الأذن، مهما تغيّرت الأنغام.





