زلزال الحوز وروح “التمغرابيت”

رأينا جميعا كيف هبّ المواطنون البسطاء في مختلف المدن المغربية إلى تعبئة التبرعات وجمع الهبات العينية وتوفير المواد الغذائية والطبية والأغطية والسير في قوافل تجاه جبال الأطلس من أجل تقديمها للمتضررين. التضامن الشعبي العفوي هائل ويكاد يكون جارفا، والعطاء الذي يقدمه الناس لا حدود له، وأغلبهم مستعد لتقديم الغالي والنفيس تضامنا مع سكان المناطق المتضررة. من أفراد الجالية المغربية في الخارج والرياضيون والفنانون وبعض المؤثرين والدعاة واليهود المغاربة في الخارج وأصدقاء المغرب من المواطنين الأجانب والموظفون والمسؤولون وغيرهم من مغاربة الداخل والخارج عبّروا بعفوية وتلقائية عن دعمهم واستعدادهم لتقديم العون
وتتواصل اليوم بمختلف المدن المغربية حملات جمع التبرعات العينية والمادية لتسيير قوافل الدعم والمساعدة تجاه المناطق المنكوبة. وما نراه من دينامية استثنائية في هذا الميدان يؤكد أن بلادنا قادرة على تجاوز تداعيات هذه الكارثة في أقرب الأوقات وبسرعة كبيرة بفضل أبنائها وبناتها في المغرب وخارجه. صحيح أن الكارثة كبيرة والخسائر البشرية والمادية مهولة والصدمة كانت مزعزعة للنفوس.
و قد يكون زلزال الحوز يمثل أكبر كارثة في تاريخ المغرب الحديث. أعداد القتلى والجرحى في تصاعد والدمار الذي عصف بالقرى والبلدات المتناثرة في جبال الأطلس الكبير لا يمكن تخيّله. وأعداد المشردين والنازحين ستصل إلى أرقام مهولة. الأمم المتحدة قدرت المتضررين من هذا الزلزال بحوالي 300 ألف إنسان في محيط بؤرة الزلزال. أغلبهم في أقاليم الحوز وتارودانت وورزازات وأزيلال. إنها مأساة بكل المقاييس. وعلى الرغم من الألم الذي يعتصر القلوب والخوف الذي ما يزال يسكن النفوس إلا أن الهبّة الشعبية التي نلاحظها منذ أمس من أجل مد يد العون والمساعدة إلى المتضررين تبعث القليل من الأمل وتخفّف عن المتضررين وعنّا ما نشعر به.
وقال الدكتور عبد الله بوصوف إن البلاغ الملكي الخاص بزلزال الحوز فتح ورشا فكريا واجتماعيا وأُفُـقا سياسيا جديدًا يخص مفهوم “تمغرابيت”، بامتدادات في مجالات المساعدة والإيواء، والاهتمام بالطبقات الهشة في المجتمع، وفلسفة المساهمة التطوعية التضامنية، وترسيخ ثقافة البناء والمحافظة على تراث الأجداد.
وأضاف بوصوف، في مقال معنون بـ”زلزال الحوز وانتصار تمغرابيت”، أن هذه الأخيرة لا تدرس في المعاهد العليا أو الجامعات، بل هي حُب جماعي للخير والتضامن والتسامح، واصفا إياها بالروح التي تسري في دماء المغاربة وأساس تميزهم، سواء داخل الوطن أو خارجه.
قال بوصوف :
تقشعر الأبدان ونحن نشاهد هـروبا جماعيا للناس خارج بيوتهم خوفا من تساقط الجدران على رؤوسهم، والاحتماء بالشوارع والساحات الفارغة في ليلة زلزال يوم الجمعة 9 شتنبـر، حيث وصلت الهزة الأرضية إلى 7 درجات من سـلم ريشتر، ليصبح الأعنف في تاريخ الزلازل بالمغرب، متجاوزا زلزال أكادير سنة 1960 والحسيمة سنتيْ 1994 و2004.
كما تقشعر الأبـدان ونحن نشاهد سَـعْي المغاربة إلى تقديم المساعدة والتضامن والدعـم لإخوانهم المنكوبين ضحايا زلزال الحوز في مشهد إنساني ووطني عظـيم، ليس بغريب أو جديد على الأمة المغربية.