اتفاقية أكادير و مصر

في الأيام الأخيرة، عاد ملف العلاقات التجارية بين المغرب ومصر إلى الواجهة، عقب تقارير إعلامية مصرية تفيد بقرار مغربي غير معلن بحظر دخول المنتجات المصرية إلى الأسواق المغربية. ورغم عدم صدور تأكيد رسمي من الجانب المغربي، إلا أن هذا التطور يعكس تصاعد التوترات في المبادلات التجارية بين البلدين، في ظل خلافات مستمرة حول تنفيذ اتفاقية أكادير.
تم توقيع اتفاقية أكادير في فبراير 2004 بهدف تعزيز التجارة الحرة بين الدول العربية المتوسطية الأربع: المغرب، مصر، تونس، والأردن، وتسهيل نفاذ منتجاتها إلى السوق الأوروبية. غير أن بعض المصادر المصرية ترى أن الإجراءات المغربية الأخيرة قد تكون ردًّا على العراقيل التي تواجه الصادرات المغربية، خصوصًا في قطاع السيارات، وهو ما يبرز اختلال التوازن التجاري بين البلدين.
حاليًا، تتراوح قيمة الصادرات المصرية إلى المغرب بين 800 و900 مليون دولار سنويًا، وتشمل قطاعات رئيسية مثل السيراميك، المنتجات الغذائية، المحاصيل الزراعية، والأجهزة الإلكترونية. في المقابل، تواجه الصادرات المغربية قيودًا متزايدة في السوق المصرية منذ عام 2008، حيث كانت بداية الأزمة في قطاع النسيج، ما دفع المغرب حينها إلى إلغاء زيارة ملكية كانت مقررة إلى مصر لرئاسة اللجنة العليا المشتركة. ومنذ ذلك الحين، توالت التوترات الاقتصادية، خاصة في مجالات السيارات، الأسمدة، والمنتجات الزراعية.
وشهد قطاع السيارات على وجه الخصوص أزمة كبيرة بين 2012 و2023، حيث خفضت مصر وارداتها من السيارات المغربية بنسبة 60%. كما تراجعت صادرات النسيج المغربي مجددًا في عام 2020، ما يعكس استمرار العراقيل أمام المنتجات المغربية داخل السوق المصرية.
وفقًا للبيانات المتاحة، بلغت الصادرات المغربية إلى مصر عام 2015 نحو 245 مليون دولار، مقابل واردات من مصر بقيمة 351 مليون دولار، ما أسفر عن فائض تجاري لصالح مصر بقيمة 106 ملايين دولار. غير أن الفجوة اتسعت بشكل لافت بحلول 2023، حيث تراجعت الصادرات المغربية إلى 52 مليون دولار فقط، بينما ارتفعت الواردات من مصر إلى 819 مليون دولار، ما أدى إلى فائض تجاري لصالح مصر بلغ 776 مليون دولار.
في هذا السياق، يرى المحلل الاقتصادي علي الغنبوري أن القرار المحتمل بحظر دخول بعض السلع المصرية إلى الأسواق المغربية يأتي كرد فعل طبيعي على الخلل الواضح في الميزان التجاري بين البلدين، حيث تحقق مصر فائضًا تجاريًا يقارب المليار دولار سنويًا. وأوضح أن مصر ليست أكثر تقدمًا صناعيًا من المغرب، إلا أن القيود التي تفرضها على بعض المنتجات المغربية، مثل السيارات، تعرقل تدفق الصادرات المغربية إلى السوق المصرية.
وأضاف الغنبوري أن المغرب يسعى من خلال هذه الخطوة إلى إعادة التوازن في المبادلات التجارية، خاصة أن القاهرة تستفيد بشكل أكبر من اتفاقية أكادير، التي كان الهدف منها تعزيز التجارة البينية بين البلدين. كما أشار إلى أن بعض المنتجات المصرية التي تدخل السوق المغربية تعاني من تدني الجودة، لا سيما الأجهزة الكهربائية والمنتجات المعاد تعبئتها، مما يثير مخاوف بشأن تأثيرها على المستهلك المغربي.
ورغم هذه التوترات، شدد الغنبوري على أهمية تجنب التصعيد الذي قد يضر بالمصالح الاقتصادية للبلدين، معتبرًا أن الحل الأمثل يكمن في اللجوء إلى الحوار والتفاوض، خصوصًا في ظل العلاقات السياسية القوية التي تجمع الرباط والقاهرة.
تجدر الإشارة إلى أن نحو 295 شركة مغربية تعمل حاليًا في مصر، بإجمالي استثمارات تصل إلى حوالي 230 مليون دولار، فيما يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 1.3 مليار دولار سنويًا، ما يعكس أهمية العلاقات الاقتصادية رغم التحديات القائمة.